لكل منا إيجابيات وسلبيات ، ومحاسن و أخطاء ، وأقوالنا مع أفعالنا منها الطيب المحمود ، والسيئ المذموم .
و الشخص يقيم بغالب الأمرين لديه .. فلا حسن طول الخط ، فليس من معصوم سوى الأنبياء ...و لا سيئ أينما حل ، فالمسلم فيه من الخير و الطيب الشيء الكثير .
فما بالنا لو كان هذا المسلم من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين عايشوا قلوبا نقية و تقية ، و تربوا على أياد بيضاء ..عفيفة ومتوضئة .. أمثال الإمام حسن البنا رحمة الله عليه .
حتما سيكون الأمر مختلفا وإن كانت هناك سقطات وهنات ..
ذلك هو عبد الرحمن علي فراج السندي .. والذي ولد بمحافظة المنيا عام 1918م والرئيس المدني للتنظيم الخاص للجماعة في فترة الإمام البنا ، وما بعدها بقليل .. والموظف بوزارة الزراعة ، رجل يتسم بالهدوء والرزانة والجد ، فيه من الصلاح والخلق الفاضل ما دفعه لقبول دعوة الإخوان المسلمين ، تلك الدعوة التي ملكت عليه شغاف قلبه ، وتتوق إلي يوم يبذل فيه نفسه في سبيل الله .
نعم كانت له أعمالا بطولية عظيمة لنصرة الإسلام ، ولكن مع ذلك ومع ما فيه من خير كانت له أخطاؤه التي حاسبته عليها الجماعة فكان قرار الفصل . وبين الأمرين أثيرت حوله بعض الأقاويل ..
البداية مع التنظيم الخاص
تعرف عبد الرحمن السندي على جماعة الإخوان المسلمين من خلال الأستاذ محمود عبدالحليم المسئول التنفيذي للتنظيم الخاص ، و الذي رشحه فيما بعد لتولي مهمة الإشراف على التنظيم الخاص خلفا له نظرا لانتقاله للعمل في دمنهور في 16/6/1941م،...
يقول الأستاذ عبد الحليم:
" لما استقر الرأي علي أن ألتحق بهذه الوظيفة وأن أكون بذلك بعيدًا عن القاهرة وكان - الأستاذ المرشد علي علم بأنني أكاد أن أكون المباشر الوحيد .. دون زملائي في القيادة - لمهمة الإشراف علي " التنظيم الخاص " طلب إلي الأستاذ أن استخلف من يباشر الإشراف علي هذا النظام . وقد نظرت فإذا جميع أعضاء هذا النظام مرتبطون بأعمال تشغل أكثر وقتهم وتستفرغ معظم جهدهم والإشراف علي هذا النظام يحتاج إلي تفرغ أو ما يقرب من التفرغ علي الأقل كما يحتاج إلي صفات معينة تتناسب مع خطورة هذه المهمة .
منذ التحقت بكلية الزراعة كنت أسكن بالجيزة ، وفي السنة الأخيرة لي بالكلية اتخذت لي سكنا مع بعض الإخوان في منطقة خلف مباني الجامعة تسمي " بين السرايات " وكانت الشقة التي نسكنها في الدور الأول من منزل رجل صالح كان يحبنا ونحبه .. فلما جاءه ساكن الدور الأرضي من المنزل رأي أن يستشيرنا ، وكان الساكن طالبا في كلية الآداب ومعه شقيقه الطالب بالمدارس الثانوية ، فلما التقيت بالشابين وتحدثت معهما شمت فيهما الصلاح والخلق الفاضل فصارا من جيراننا ، وكان هذان الجاران هما عبد الرحمن السندي وشقيقه . ثم كان أن جاء الأخ عبدالعزيز كامل ليلتحق بكلية الآداب وكان من إخوان الإسكندرية الذين أعرفهم ، وكان يريد أن يسكن قريبًا منا فسكن مع هذبن الجارين مستقلا بحجرة من هذه الشقة .
ولما كانت صلتي بالأخ عبد العزيز تقتضيني أن أكثر من زيارته لأونسه من ناحية ولأنه كان قد التحق بقسم الجغرافيا بكلية الآداب وكنت أحب أن أطلع علي بحوث شائقة لهذا القسم في الأجناس والطبائع وما شابهها من ناحية أخري .. لذا كثر ترددي علي هذه الشقة فكان هذا التردد فرصة لي للتحدث مع الساكنين الآخرين بها .
وقد لاحظت علي عبد الرحمن ... الهدوء والرزانة والجد ، كما لاحظت إقباله علي إقبالا يوحي بأن الدعوة التي عرضتها عليه تملك شغاف قلبه وتشعر بتشوقه إلي يوم يفتديها فيه بنفسه ، وظللت طيلة ذلك العام علي اتصال وثيق به ، حتى إنه كان لشدة ثقته بي ، وفرط حبه لي يعرض علي مشاكله الخاصة - فلما وثقت به تمامًا عرفته بالأستاذ المرشد باعتباره عضوًا بالنظام الخاص " . وقد فهمت منه في أثناء ما عرضه علي من شئونه الخاصة أن له إيرادًا يمكن أن يقوم بشئونه ، فلما كنت بصدد اختيار من يخلفني في الإشراف علي "النظام الخاص " تذكرت عبد الرحمن فرجعت إليه لألم بظروفه التي طرأت منذ انتهت دراستي بالكلية وغادرت " بين السرايات " ففهمت منه أن كل الذي طرأ عليه هو أنه لم يوفق في امتحان تلك السنة وأنه الآن يعيد السنة الأولي ...
فشرحت له ظروفي وأنني مضطر أن أكون خارج القاهرة ، وأنني أبحث عن شخصية تخلفني للإشراف علي " النظام الخاص " واشترط أن تكون مستوفية شروطًا معينة ، وقلت له : إن هذه الشروط تكاد أن تكون مستوفاة فيك عدا " التفرغ " فهو ليس بالأمر الميسور ... فقال لي : إنني أشكر لك حسن ظنك بي ... وأنت تعلم أولا أنني مريض بالقلب ، ومعرض للموت في كل لحظة ، وأحب أن تكون موتتي في سبيل الله ... كما تعلم أن لي إيرادًا - وإن كان محدودًا - إلا أنه يعينني علي مطالب الحياة الضرورية ... وتعلم كذلك أنني رسبت في السنة الأولي بالكلية وأنني أعيدها ... وقد استقر رأيي علي الانقطاع عن الدراسة وسألتحق بوظيفة في وزارة الزراعة بالثانوية العامة ... وبذلك يتوفر لي عنصر التفرغ الذي تطلبه .
وعرضت الأمر علي الأستاذ المرشد فوافق عليه ، وأحضرت عبد الرحمن للأستاذ المرشد بايعه أمامي علي أن يقود هذا النظام وعلي أن لا يقدم علي أية خطوة عملية إلا بعد الرجوع إلي لجنة القيادة ثم إليه شخصيًا . وسار عبد الرحمن بالنظام سيرًا موفقاً فحاز حب من يليه من القيادات والأفراد كما حاز ثقتنا حيث كان يرجع إلينا في كل خطوة عملية بل فيما دون ذلك . ومع وجودي في دمنهور كنت أسافر إلي القاهرة في كل شهر مرة أو مرتين يعرض علي عبد الرحمن ما تم في خلال مدة غيابي ، وما يقترحه للمستقبل . واتسعت رقعة النظام في القاهرة، وأخذت تتشعب في الأقاليم فضمت صفوة الإخوان في مختلف البلاد ."
هكذا كان عبد الرحمن السندي في هذه القترة جنديا من جنود الدعوة ملتزما بتمام السمع والطاعة للمرشد مخلصا في عمله من أجل ذلك كله حاز الإعجاب و الثقة من الجماعة قيادة و أفرادا. يشهد بذلك الأستاذ عمر التلمساني حيث يقول:
" لقد عهد الإمام الشهيد بتيسير أمور هذا النظام الى أحد الشباب بعد تزكية من بعض عناصر الإخوان وبعد مبايعة للإمام الشهيد....
وقد سار عبد الرحمن السندى سيرا حسنا موفقا نال به رضاء القيادات والأفراد فى النظامين الخاص والعام فى الإخوان المسلمين."
و يقول الأستاذ محمود الصباغ:
"ولقد لمسنا من عبد الرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر على العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود، مع صفاء في النفس، ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتى أحببناه حبًا صادقًا من كل قلوبنا، لما جمع الله فيه كل هذه الصفات".
من روائع بطولات السندي
بداية نذكّر أن النظام الخاص نشأ عام 1940م بهدف:
1- محاربة المحتل الإنجليزي داخل القطر المصري.
2- التصدي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين.
3- حماية الدعوة ورجالها من المؤامرات التي تحاك ضدها ومحاولة العبث بها ومن المعروف أن الإمام البنا تعرض لستة محاولات اغتيال ونجحت السابعة فى 12 فبراير 1949م
فقد دعا الإمام البنا خمسةً من الإخوان، وهم: صالح عشماوي، وحسين كمال الدين، وحامد شريت، وعبدالعزيز أحمد ومحمود عبدالحليم، وعهِد إليهم بإنشاء النظام الخاص وتدريبه، ... وقد وضعوا برنامجًا للدراسة داخل النظام، مثل:
1- دراسة عميقة ومستفيضة للجهاد في الإسلام من خلال القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي.
2- التدريب على الأعمال العسكرية.
3- السمع والطاعة في المنشط والمكره فيما يوافق تعاليم القرآن والسنة.
وبعد أن تولى عبد الرحمن السندي مسؤولية التنظيم الخاص ، بدأ في جهاد المحتل الإنجليزي وذلك بتنفيذ العديد من العمليات الناجحة و التي أصابت العدو في مقتل .... نذكر من ذلك :
1-أول أعمال النظام الخاص بث الفزع والرعب فى قلوب المحتلين الإنجليز:
يقول الأستاذ عبد الحليم محمود :
" كنا في ذلك الوقت في أوائل أعوام الحرب العالمية الثانية، وكانت القاهرة تعج بجحافل الجنود الإنجليز، وكنت لا تكاد تمشي في شارع من شوارع القاهرة لاسيما الشوارع الرئيسية خصوصًا بالليل إلا ويحتك بك جماعات من هؤلاء الجنود في حالة سكر وعربدة ، يهاجمون الرجال والنساء ، ويعبثون بكل ما تصل إليه أيديهم ، في الوقت الذي تلازمهم فيه أسلحتهم كأنهم في ميدان القتال . وجأر الأهالي بالشكوى من عبث هؤلاء الجنود ، ومن كثرة ما جنوه من قتل أبرياء وهتك أعراض وتحطيم محلات ، ولكن الحكومات التي تحكم البلاد لم تكن تجرؤ حتى علي توصيل هذه الشكاوى إلي مسامع السادة الإنجليز. ورأي إخوان النظام الخاص أن يعملوا عملا يبث الخوف في قلوب هؤلاء الجنود العابثين ، لعل هذا الخوف يردعهم عن عبثهم حين يشعرون أن الطريق أمامهم ليس سهلا كما اعتادوا ، وأن هناك من يقف لهم بالمرصاد ، وأن حياتهم ستكون ثمناً لهذا العبث.
وقرر " النظام " لكي يكون للعمل أبلغ الأثر أن يختاروا توقيتًا معينًا ومكانًا معينًا ومناسبة معينة ، فاختاروا ليلة عيد الميلاد ، واختاروا النادي البريطاني حيث يكون مكتظًا بالجنود الانجليز وضباطهم وألقوا عليهم قنبلة لم تقتل أحدًا ولكنها بعثت الرعب في نفوسهم وحققت الغرض منها تمامًا فبدأوا يفهمون أنهم يعبثون وسط قوم يستطيعون أن يحفظوا كرامة أنفسهم بأنفسهم وأن يلقنوا من يعتدي عليهم دروسًا قاسية ، وقد قبض في هذا الحادث علي بعض الإخوان أذكر منهم الأخ نفيس حمدي الذي كان إذ ذاك طالبًا والأخ حسين عبد السميع ."
2-حادث كشف السفينة الصهيونية الراسية في ميناء بورسعيد
فعندما كان الإمام البنا رحمه الله يريد تنفيذ عملية ما ضد المحتل الإنجليزي و اليهود.. كان يرسل عبد الرحمن السندي كموفد منه إلى الشخص المراد.. حدث هذا عام 1947 في حادثة تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد والتي كانت تحمل شحنة أسلحة للصهاينة في فلسطين وكانت السلطات المصرية تجهل طبيعة هذه الشحنة لأنها كانت ترفع علم بنما ، فقام النظام الخاص بقيادة محمود الصباغ وأحد إخوان بورسعيد بتفجير جزء من السفينة أدى إلى عطبها مما دفع السلطات لسحب السفينة لإصلاحها وإفراغ الشحنة التي تكشفت لهم أنها أسلحة فقاموا بمصادرتها.
3- حادث القطار الإنجليزي :
يحكي الأستاذ محمود الصباغ فيقول :
" قام بهذا الحادث أيضا إخوان من النظام الخاص وقسم الوحدات يرأسه الأخ صلاح شادي، وقد نفذه الأخوة علي بدران، وحسن عبيد من الطيران، والأخ إبراهيم بركات من الصيانة بأن حملوا سلال السميط والبيض والجبن شأن الباعة الجائلين الذين يشاهدون في القطارات، وذلك لتغطية ما بداخلها من قنابل، وترصدوا موعد وصول قطار القوات الإنجليزية الذي يمر عبر القاهرة في منطقة الشرابية، حيث كان القطار الذي يحمل هذه القوات يضطر للتهدئة في مسيرته في هذا المكان بسبب أعمال الحفر التي كانت قائمة.
ثم بدءوا يقذفون القنابل داخل القطار من شباكه في أثناء سيره المتمهل في هذا المكان، وكانت المسافة التي يسيرها القطار بعد قذف القنابل تكفي للتباعد بين الإخوان وبين الانفجارات التي تحدثها القنابل بعد ثوان من إلقائها، وقد أشرف على هذه العملية كل من الأخوين صلاح شادي وعبد الرحمن السندي، دون أن يشعر أي منهما بدور الآخر، بسبب كون الأخوان المنفذين أعضاء في كل من النظام الخاص وقسم الوحدات في وقت واحد."
4- شركة الإعلانات الشرقية كان أكبر حادث نسف من هذا النوع هو الذى وقع فى شركة الإعلانات الشرقية بشارع جلال قريبا من شارع عماد الدين بالقاهرة فى 12 نوفمبر 1948,ولقد كانت الشركة مركزا لعملاء الصهيونية بمصر ومكانا لاجتماعاتهم وتجميع الأخبار لهم تحت ستار الصحافة والإعلان.